الحب ثم التربية

الحب والتربية هما الجناحان اللذان تلحق بهما الأسرة في آفاق السعادة والنجاح وهذا هو هدف الحكمة الالهية من تكوين الاسرة على اساس من المودة والرحمة.

واذا كان الحب هو محور العلاقات الاسرية فان منهج تربية الابناء هو وسيلة تحقيق السعادة الأسرية.

والحقيقة الكبرى هي اننا نقضي حياتنا كلها في الاسرة فنحن اما ان نكون اولاداً او بناتا في اسرة مع آبنائنا وامهاتنا، واما ان نكون نحن آباء او امهات في اسرة مع اولادنا وبهذا المعنى تكون اسرتنا هي حياتنا وبالتالي فان من المنطقي والضروري ان تصبح اسرتنا هي اكثر شيء يشكل اهتمامنا في الحياة وان نستثمر طاقتنا ومواردنا لتحقيق رسالة اسرتنا وهي بناء الانسان الصالح لان هذه الرسالة هي جوهر وجودنا الانساني، وأساس نجاحنا في الدراسة والعمل وخدمة المجتمع والسعي لتقدم البشرية نحو الخير والسلام وهذه القناعة ناتجة من ادراكنا بان الاسرة الصالحة هي نواة المجتمع الصالح وان اعظم انجازاتنا في الحياة هو ما نسعى لتحقيقه في الاسرة.

هذا بالاضافة الى ان افضل عمل يؤديه الانسان في حياته هو ما يفعله داخل اسرته، ومهما كانت التزامات كل واحد منا مهمة بالنسبة له، سواء كان معلماً، او اعلامياً او طبيباً او محامياً او رجل اعمال فنحن اولاً واخيراً بشر والعلاقات الاسرية هي اعظم استثمار في حياتنا.

وعندما يأتي وقت الرحيل من هذه الحياة الدنيا فلن يندم الانسان على اي شيء ولكن سيندم فقط على مضي الوقت دون الجلوس مع زوجته وابنائه وامه وابيه وعلى هذا الاساس فان نجاحنا الحقيقي في الحياة لا يتوقف على ما يحدث في العالم وانما ما يحدث داخل بيوتنا من مودة ورحمة ولذلك فان الابوة والاموية لا تصلحان الا لحملة رسالة تربية الابناء وسوف احاول في هذه السطور ان اضيئ سراج الامل لاولئك الذين وضعوا اسرهم وتربية ابنائهم في نهاية قائمة اهتماماتهم ويشعرون الان بالرغبة في تصحيح المسار وقيادة سفينة الاسرة الى بر الامان وانطلاقاً من قناعتي بان نشر الفكر التربوي هو الخطوة الاولى نحو التطوير الاسري المنشود من اجل حياة افضل وفيما يلي بعض الاضاءات التربوية لتنشئة الابناء وراحة الآباء:

اولاً: تحديد الاولويات: ان الاشياء التي تهم الانسان هي التي تحظى بتفكيره ووقته وتخطيطه وعنايته وتضحيته لانها شيء ثمين وذو قيمة عالية في حياته وبالتالي يجب ان تضع تربية ابنائك بنفسك على رأس قائمة اولوياتك.

ثانياً: احداث التوازن التربوي إن التربية الناجحة للابناء لا يمكن ان توجد من فراغ او ان تتم من تلقاء نفسها بسهولة فهي رسالة عظيمة تتطلب جهداً كبيراً وطاقة متدفقة ورغبة شديدة ورؤية واضحة وارادة قوية ونظراً لاننا نشارك ابناءنا حياتهم بالكامل فان تربيتهم تصبح امراً مرهقاً بدنياً ووجدانياً ورغم انها عملية استنزاف الا انها ايضاً عملية اشباع وانجاز في نفس الوقت وهذا هو سر التوازن التربوي في تنشئة الابناء.

ثالثاً: التسامح يصنع المعجزات: مع نمو اطفالنا تتشكل لدينا المفاهيم التربوية المرتبطة بتنشئة الابناء وربما نكون قد اخفقنا احياناً وفقدنا اعصابنا كثيراً واسأنا فهم بعض الامور كثيراً وتعجلنا في اصدار احكامنا ولم ننصت لابنائنا ولم نتصرف بحكمة ولكننا يجب ان نحاول دائماً ان نتعلم من اخطائنا في تربية ابنائنا يجب علينا ان نتعلم كيف نعتذر لبعضنا البعض وألا نبالغ في ردود افعالنا وان نتخلى عن افكارنا السلبية وان نسامح انفسنا ونسامح الاخرين فالتسامح يصنع المعجزات.

رابعاً: تميز الوالدين: إن الآباء المتميزين هم الذين يستمعون لاولادهم دوماً ويعلمونهم دائماً ويتعلمون منهم ابداً انهم يتحاورون مع ابنائهم ويطرحون الاسلة ويقدرون وجهات نظر ابنائهم ويحاولون ان يطبقوا ما يقولون انهم يلهمون ابناءهم بافكارهم ويحفزونهم للانجاز والارتقاء بذاتهم وبالاخرين. انهم آباء لا يحددون سلوكهم وردود افعالهم على اساس كبريائهم وانفعالاتهم الآنية وانما على اساس نضجهم ومبادئهم واحساسهم بالمسؤولية.

فقد تعلموا ان ابتلاءات الحياة تزيد معدنهم قوة ولاصبة وان حبهم لاولادهم يمدهم بالعون ويمتعهم بالاستقامة والشجاعة في مواجهة الصعوبات ويمكنهم من التفاعل مع ابنائهم لتطويرهم والتأثير في وجدانهم وحياتهم وان يكونوا قدوة حسنة لهم ويفعلوا الصواب وكلما زاد سعيهم لكي يكونوا اباء افضل زادت طاقتهم وقوتهم الدافعة وشعروا بالبهجة والسعادة ومزيد من التوازن النفسي الذي يملأ نفوسهم وعندما يلتقي الحب مع التربية تتحقق السعادة الاسرية.


دمتم في رعاية الله وحفظه.

شكرا لك قطر الندى على المرور العطر.